عن إستخدام اللفظ والمفردة في الفصحى أتحدث ..
عن سحب التقديس من القرآن إلى اللغة المكتوب بها أتحدث ..
عن الجفاف والتحنط الذي وصلت إليه اللغة أتحدث ..
عن أحقية الفرد كمتلقي للغة جافة كفت عن التطور وابتعدت عن التعبير عنه تمسحا بأهداب لغة إدعوها مقدسة أتحدث ..
سؤال بسيط أساله لنفسي كثيرا ..
هل ثمة ما هو ثابت ومقدس في اللغة عموما وفي لغتنا العربية للتخصيص وما هو قابل للتغيير والإضافة والحذف والتعديل ؟!!!..
جميعها مقدسة من الرأس إلى القدم ؟!!... لا يوجد أي ثابت وكل القواعد قابلة للتغير ؟!!
للأسف .. يحظى الرأي الذي يقول بخطأ كل إجابة متطرفة بقبول شديد لدي ..
هل؟.... أجد من يتفق معي بأن ما يميز اللغة العربية عن أي لغة أخرى وقد يشترك معها في هذا بعض اللغات المتطورة ولكن ليس بهذه الدقة الرياضية .. هو طبيعتها الاشتقاقية وامكانية رد كل مفردة الى اصل بسيط ثلاثي كان او رباعي او خماسي ...
ومن الاصول تتطور المفردات على كافة الاشتقاقات المعروفة لدينا بما لكل منها من وقع نفسي علينا ..
بدءا من اشهر تلك الاشتقاقات .. فعل.. مفعول .. فاعل .. فعال .. فعول .. متفاعل .. استفعال .. ........ ويمكننا أن نستمر في هذا حتى نأتي على كافة اشتقاقات المفردة
الاصل واحد .. ولنأخذ المثال .. الفعل (شرع) ..ونبدأ في وضعه في الاشكال الاشتقاقية التي ذكرناها ...
شرع.. مشروع .. شارع .. شراع .. شروع ..متشارع .. استشراع .......
دعونا نتامل قليلا .. سنجد بعض تلك الاشتقاقات مالوفة لدينا .. مثل شرع .. مشروع ..
ومشتقات اخرى لم نذكرها مثل .. شرع بتسكين الراء .. تشريع .. شريعة ...
وهي مفردات متداولة ونستخدمها بكثافة والفروق بينها معروفة للمهتم ..
ولكن .. نجد بعض الاشتقاقات غير مألوفة أو معروفة رغم صحة اشتقاقها مثل شارع .. شراع .. شروع .. متشارع .. استشراع ..
الأصل فصيح .. والاشتقاق موافق لقواعد النحت والاشتقاق ولكن الإستخدام غير متداول أو متعارف أو مصطلح عليه .. هل يعني هذا أن هناك قاعدة برفض احتمال أن نصطلح يوما ما على اشتقاق غير مألوف ولكنه مضبوط لغويا ؟؟؟!!!
كثير من الألفاظ نستخدمها في حديثنا العامي .. لكن لها مصدرها فصيح .. ومشتقة حسب قواعد الفصحى .. ومصطلحين على معنى دقيق لها .. ما الذي يمنع اضافتها لفصحانا واعتبار هذا تخريب للفصحى ؟؟..
صديقي القاص ( باسم محمد ) في قصته الأخيرة عنونها بعنوان ( الإشتغالة الرومانسية ) ..
لفظ الإشتغالة عامي قح .. بل نخجل من أن ننسبه للفصحى من قريب أو بعيد .. ولكن فلنتمهل قليلا .. ما هو وجه عدم الفصاحة فيه .. المفردة ( إشتغالة ) .. أصلها ثلاثي .. (شغل) .. ووزنها على قواعد إشتقاق الفصحى ( إفتعالة ) .. ولدينا إصطلح على معنى ما لتلك المفردة .. التساؤل هنا .. ماذا يمنع التعامل مع تلك المفردة كلفظ فصيح غير ممتعض منه ؟!!!!!
أكثر الآراء شيوعا هو الرأي القائل بأن تلك المفردات ذات النحت الغير مألوف في الفصحى سيندثر معناها الإصطلاحي مع الزمن ولن تحظى بخلود الفصحى .. ويحق لي هنا أن أتساءل
وهل كل مفردات الفصحى خالدة بحق ؟؟
الإجابة على سؤالي سأجيبها بأبيات أربعة من معلقة إمرؤ القيس
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل بسقط اللوى بين الدخول فحومل
فتوضح فالمقراة لم يعف رسمها لما نسجتها من جنوب وشمال
ترى بعر الآرام في بعراتها وقيعانها كأنه حب فلفل
كأني غداة البين يوم تحملوا لدى سمرات الحي ناقف حنظل
ها ؟.... اللوى .. حومل .. المقراة .. الآرام ..ناقف .. كلها مفردات فصيحة لم تعد مستخدمة .. كانت مصطلح عليها عند عرب قبل البعثة ولكنها لم تعد متداولة ومعناها حبيس المعاجم ..
فحتى لو اندثرت تلك المفردات التي نحتناها حديثا وأصبح معناها حبيس المعاجم فما المانع في هذا طالما حدث ذلك من قبل لفصحى قبل البعثة (الجاهلية ) ؟؟؟!!!!!
نقطة أخيرة وهو الإصطلاح على معنى ما يضاف للمعاني المتداولة للمفردة .. ما المانع من هذا؟؟
في قصيدة الحزن يقول عبد الصبور
ورجعت في جيبي قروش ..
فرتقت نعلي ..
وشربت شايا في الطريق ..
ولعبت بالنرد الموزع بين كفي والصديق ..
قل ساعة او ساعتين ..
قل عشرة او عشرتين..
ونقف هنا .. صلاح استخدم هنا لفظة فصيحة ( عشرة ) .. لكن باستخدام غير فصيح او غير متعارف عليه في الفصحى ..
عشرة = دور طاولة
ما المانع من اضافة هذا الاصطلاح كمعنى اضافي لتلك اللفظة الفصيحة لازالة الغربة بين لغتنا اليومية والفصحى التي تراكم عليها التراب ؟؟؟؟