من الباب المظلم يخرج رجل العصور الوسطى.. طويل الشعر أسوده.. حليق اللحية... يردد بصوت مرتفع بطريقة إلقائية أثناء سيره في خطوات بطيئة إلى الباب المضيء واختفائه بداخله :
ووقفت أرجو النجم في غسق المساء..
علّي أجاوب بالضياء..
ولم الضيا كالشهد يسري في النفوس؟!..
وترى لماذا الليل عند الناس هو فجر العبوس؟!..
يدخل إلى المسرح رجلان يرتديان ملابس عصرية..
الرجل الأول:
كل شيء يقول بأنه آت.. كل شيء..
إن لم يأت الآن فلن يأتي أبدا .
الرجل الثاني:
لم يتأخر قط..
عندما تلوح تباشير ظهوره ننتظر إيابه..
حتى يجمعنا صوته.. نتوحد في رجل واحد..
ينتحيان ببعضهما أقصي يسار المسرح ويقفان وقفة من ينتظر شخصا على موعد..
من الباب المظلم يخرج رجل العصور الوسطى بنفس الملابس.. أبيض الشعر واللحية تماما.. وقد تهدلت لحيته ممتدة إلى أعلى صدره...
يتجه إلى الباب المضيء مرددا :
الظلمة السوداء ترقد في اكتئاب..
والحلم قد واريته تحت التراب..
ماذا أريد من الضياء سوى المآب؟!..
يقوم أحد متصوفي الدائرة ليترك مكانه شاغرا..
يقف في منتصف المسرح.. يرتجف جسد رجل المذبح.. يلتفت حوله وكأنه يفيق من سبات عميق.. يتجه إلى الخارج ليقف مع رجل المذبح..
الصوفي :
أنتظره منذ.. منذ..
رجل المذبح:
لا أتذكر..
الصوفي:
أشعر أنه آت اليوم..
رجل المذبح :
تعبت من عبث الرموز..
الصوفي:
سأتعرفه أول ما أراه.. إني مؤمن بوجوده..
رجل المذبح:
ينتشلني من متاهة المراسم..
اختلاط الفهم.. حيرة الإلغاز..
الصوفي :
ترى هل يتعرفني؟!.. يدرك حبي له؟!..
انتظاري؟!.. يا لي من أبله.. سيدرك بالطبع..
إن لم يدرك هو.. فمن يدرك؟!.. لكن.. هل يهتم ؟!..
رجل المذبح:
بضعفي؟!.. بحيرتي؟!.. بألمي؟!..
بشكي؟!.. هل يغفر لي جبني؟!..
الصوفي :
هل يقبل بي تابعا.. ؟!
ينتحيان جانبا في وضع الانتظار..
يخرج رجل العصور الوسطى من الإطار المظلم بنفس الملابس.. شديد سواد الشعر..طويلُه.. ولحية سوداء مهذبة بعناية.. يتجه إلى الضوء مرددا:
وسألت نفسي هل أنا...
إن رحت هل تبقي النجوم؟!..
أم أن شمسا يومها؟!..
قد تأت قاشعة الظلام؟!..
يدخل رجلان.. أحدهما ضخم الجثة.. يرتدي ملابس متنافرة الألوان.. والآخر رقيق الجسد.. زائغ النظرات.. كثير الحركة.. من اتجاهين مختلفين..
الحتمي:
بالطبع سيظهر.. يزيل تلك الخرافات..
يستبدل الغموض بتراكيب محكمة..
تنبع من منطق كون سببي.. سيكون مجيئه مقدمة..
وأفكاره حدث يلحظ رأي العين..
الشاعر:
في ظل الحب يعيش الناس..
ينفك القيد عن الأعناق..
الحتمي:
يأتي ليزيل النقص الكامن ببشريتنا المحدودة..
يمحو أمراض الحب..
الرحمة.. الضعف البشري المتأصل..
الشاعر:
فلننبت في وادينا شجرة حب..
نأكل منها ثمرا طيب..
ولنشرب ماءً..
من نهر الرحمة والود..
ولنترك شجر البغض..
يتحرق في نار الغيظ..
الحتمي :
يأتي ليؤكد نبوءات من بشروا به..
غير ضعيف أو لين..
عقل خالص..
يمحو الزمن البائد والعشب السرطاني الكامن بالصدر..
كلمات من دم..
جنود من صخر.. أفكارا- حتمية تاريخ-..
الشاعر :
ملعون من يجمعنا في ظل الحقد..
كي يجعل منا آذانا صما..
لا تسمع من يدعو للحق..
ينتحيان جانبا في وضع الانتظار..
يخرج نفس رجل العصور الوسطى من الإطار المظلم.. مرتديا دروع محارب.. يتجه إلى الضوء مرددا :
اقطف واصرخ في كل الأرجاء..
كي تجلد وتموت..
كي تصبح في روض الشهداء..
مجنون مضطرب الخطوات.. يمسك بيده لفافة تبغ ينفث دخانها في عصبية.. وعاشقة رقيقة الملامح.. سوداء الشعر..
المجنون:
سينقذني من لوثة الأفكار.. سيخبرني أن ما أشعر به..
وما أنطق به.. صدق..
سيمسح عني وصمة هذياني..
العاشقة:
سأخبره أني عشقته حلما..
انتظرته واثقة من إتيانه.. رسمته صورة..
دثرتها بمشاعري.. تسلل إليها غبار الزمن..
فأصبحت ذكرى تنتظر قدومه.. كي تبعث من أكفان الصدر..
سأرى الضياء العذب في وجنتيه.. وأرى بعينيه نشيد الحياة..
يخرج رجل العصور الوسطى من الباب المظلم.. عجوزا أنهكته السنين.. يتجه إلى الضوء مرددا :
إما تأتمُّ بصوته..
أو عاد دفينا في قبره..
إما تأتم بصوته..
أو عاد دفينا في قبره..
من ناحية الضوء يخرج ستة رجال يكونون دائرة.. كل منهم ظهره إلى الآخر.. أثناء حركتهم البطيئة إلى الإطار المظلم يلتف الجميع حولهم في دائرة أخري.. الصوفي يواجه أولهم.. رجل المذبح يواجه ثانيهم.. الشاعر يواجه ثالثهم.. الحتمي يواجه رابعهم
..العاشقة تواجه خامسهم.. والمجنون يواجه آخرهم ليكونوا دائرة مغلقة أخرى حول دائرة الآتين.
الصوفي للقادم الأول:
حررني من عشقي للمادة..
رجل المذبح للقادم الثاني:
أبغي فك الإلغاز..
الشاعر للقادم الثالث :
عدني أن يمحي الظلم..
الحتمي للقادم الرابع:
أدركتك بالعقل فامح ما دونه..
العاشقة للقادم الخامس :
أذبني بين حنايا صدرك..
المجنون للقادم الأخير الأول:
فليذهب عني العقل الآن...
يتحرك الجميع في صمت إلى الإطار المظلم ويختفون بداخله...