لدي الكثير من الأسباب التي تجعلني أعتقد أن الشخصين الأكثر تأثيرا في الفكر البشري منذ القرن السابع عشر هما نيوتن وداروين وقبل أن نتحدث عنهما بالتحديد فلنتكلم عن المعايير التي تجعلنا نحدد على أساسهاأكثر الشخصيات تأثيرا في الفكر البشري،والمجالات التي يمكن التأثير فيها محدودة فلن نتحير كثيرا عندما نريد حصر المجالات المؤثرة في التاريخ والفكر البشري فلنبدأ بالسياسة والحكم، لم لا يكن واحدا من الحكام أو الساسة هوالأكثر تأثيرا؟॥أعتقد أن تأثير الحكام محدود في فترة حكمهم في الأعم الأغلب أو يمتد تأثيرهم الى فترات قريبة من انتهاء فترات حكمهم،ويسهل على أي حاكم تالي له مباشرة أن يمحي أغلب تأثيره الذي أحدثه في أفكار شعبه ولنا مثال في عبد الناصر والسادات وتقبل الشعب في فترة حكم عبد الناصر لأفكاره الاشتراكية والثورية،ثم تقبله بعدها مباشرة لأفكار السادات التي تميل الى الرأسمالية(بغض النظر عن صحة التنفيذ)وسياسة المهادنة ..ولماذا لا يكون الشخص الأكثر تأثيرا من الفلاسفة،وهو ما كان حادثا بالفعل بداية من العصور الوسطى(بدايات التنوير)وحتى بدايات القرن السابع عشر؟॥لأن داروين ونيوتن ببساطة وجها ضربة قاضية للفلاسفة غيرت من مسار الفلسفة ذاتها تغيير جذري تركت أثرها عليها حتى الوقت الراهن(وفي هذا حديث طويل اذا أردنا التفصيل)ولم لا يكون أكثر الشخصيات تأثيرا في الفكر البشري في القرون الثلاثة الأخيرة من الأدباء والشعراء؟لأن الواقع أن الأدباء يؤثرون في المجتمعات ॥ولكنهم يتأثرون بما يسود فيها من افكار لا يكونون هم في الأغلب صانعيها بل يلعبون دور الموضح والمفسر والمخلق لها(وفي هذا حديث طويل اذا أردنا التفصيل
ربما يفيد أكثر أن نتفحص مسار التفكير في أوروبا قبل ظهور داروين ونيوتنحتى بدايات القرن السابع عشر كان الفكر الأوروبي حلقة للصراع بين أفكار الكنيسةيمثلهم مفكري اللاهوت المسيحي من أمثال توما الاكويني والقديس أغسطس وغيره كثيرون وعلى الجهة الأخرى الفلاسفة ।اهتم أصحاب اللاهوت بتقديم نموذج فكري يقف بصمود أمام تساؤلات الفلاسفة وأصحاب الديانات الأخرى ووصل بالفعل في ذلك الوقت الى بناء فكري ضخمقوي ظاهريا( وكلمة ظاهريا تعود الى عدم صمود اللاهوت عند الاعتراف باختلاف المرجعيات ) .كانت أول الضربات التي وجهت للاهوت المسيحي على يد واحد من أصحاب اللاهوت أنفسهم وهو مارتن لوثر كينج الذي وجه ضربات قوية لكل النقاط التي يعتبرها اللاهوت أساسيات في المسيحية .كانت ضربة مارتن لوثر أقوى بكثير من الضربات التي حاول الفلاسفة للاهوت ربما لأن الكنيسة كانت هي الأكثر سيطرة فعليا للدرجة التي يصل فيها البابا الى أن يكون أكثر نفوذا من أغلب ملوك أوروبا .اضافة الى أن أغلب نشاط الفلاسفة الفكري وقتها كان ينصب في فرع واحد من فروع الفلسفة وهوالميتافيزيقا أو ما وراء الطبيعة وهو الفرع الذي يهتم بالتفكير في الألوهية وطبيعة الخير والشر والأخلاق الى أخره ( التعريف ليس بالدقة الكافية ولكنه كافي ) ।وليس من الصعب ملاحظة أن الموضوعات التي يهتم بها أصحاب اللاهوت والفلاسفة تفتقر الى التحديد ومليئة بالغموض ।المشكلة أن ما حدث وقتها أنهم استندوا الى غموض اللغة واستخدام مصطلحات غير متفق عليها وهو ملحوظ بأبسط طريقة في الأسلوب الهدمي الذي كان يتبعه الفلاسفةأو ما يطلقون عليه المذاهب فكل فيلسوف يرفض ما استقر عليه من قبله ويضع مذهبه الفكري الخاص الذي يستخدم فيه مصطلحاته هو ويعرف في مذهبه كل شيء بدءا من محاولة اثبات وجود الله أو عدم وجوده حتى أدق تفاصيل الضمير الانساني ।ملحوظة : دائما عندما يثبت فشل أسلوب فكري ما توقع اللجوء الى العكس تماماوكان عكس الفكر الموجود في ذلك الوقت والذي يتسم بالميوعة والغموض اللفظي واللا تحديد هو ما (determinism)।وهذا ما فعله داروين ونيوتن واستمر مذهب التحديد حتى سبعينات القرن العشرين