Monday, July 9, 2007

خيانة المثقفين


اللغة مضللة .. مقتنع بهذا منذ زمن طويل ..

عندما حاول كارل بوبر تعريف اللغة ..عرفها تعريفا بدا لي غريبا أول الأمر .. الا أني ما لبثت أن استسغته ووجدت في قلقي اللغوي ما يبرره .. اللغة بالنسبة لكارل بوبر هي وسيلة تفاهم أو نسق قادر على صناعة معنى غير مرتبط بالحقيقة يعبر عن رؤية منطوقة .. وبناء على فرض بوبر عدد من الجمل أو العبارات أو المزاعم الخاطئة يساوي بالضبط عدد الجمل أو العبارات أو المزاعم الصحيحة .. ثم نشأ الجدل .. وهو النسق الذي يبدأ بفرض - بغض النظر عن صحته أو خطؤه - نسلم به ونصل منه إلى نتائج نستنتجها إذا سلمنا بهذا الفرض .. والمجادل الجيد هو الذي يستطيع أن يصوغ الباطل في جملة أو فرض مستتر غير واضح بحيث نسلم به جميعا .. فيستنتج على أساسه ما كنا نرفضه من البداية .. إلى الدرجة التي تجعلك إذا سلمت بفرض ما بسيط يمكن أن يصل بك إلى نفي أشد الأشياء رسوخا بداخلك .. كوجود إله .. أو حتى وجودك أنت نفسك.

هل أصبح المثقف والمجادل لفظان مترادفان .. سؤال يرد الى ذهني كثيرا في الفترة الأخيرة..

أصبح المثقف إنسان مشوه سواء بالنسبة للسلطة السياسية التي إما يحاول الحصول على مكاسب منها بالاتفاق معها على طول الخط أو رفع العقيرة بالاعتراض عليها .. أيضا أصبح المثقف غير جدير بالثقة بالنسبة للمجتمع الذي أصبح يوقن بأن المثقف قد باعه منذ زمن للسلطة أو لمصلحته الشخصية .. لا يهتم به أو بقضاياه الحقيقية بل يصنع مشكلات وقضايا وهمية وينعزل بها عما حوله ويقنع نفسه بأنه يذهب إلى لب القضية ولا يشغل نفسه بالقشور كما يفعل الغوغاء من العامة .

بالمناسبة .. لا أطمئن كثيرا ل (يونج ) ولكني مقتنع أنه يستحق مكانته بمفهوم واحد أدخله على علم النفس ( إن صح تسميته علما ) وهو ( الوعي الجمعي ) .. وهو مصطلح سيء السمعة ومشبوه بسبب سوء الاستغلال والتفسير .. بالضبط مثل الآية القرآنية ( وأطيعوا الله والرسول وأولي الأمر منكم ) .. يفترض يونج أنه كما أن لكل منا وعي بالأشياء يبني به على أساسه خبراته وأحكامه .. بالمثل .. المجتمع أو مجموع البشر ممن لهم خبرات مشتركة لهم ما يسمى بالوعي الجمعي بمعنى أنه بدون تفاهم عن طريق اللغة يصلون إلى مفهوم واحد وقرار واحد أو موقف واحد (مثال فج : القرار الذي اتخذه المصريون بعدم الذهاب إلى الاستفتاء الأخير ) والقرار الذي يتخذه المجتمع بناء على وعيه الجمعي يكون أصوب وأحكم القرارات لأنه يكون كما لو أن عقول أفراد المجتمع كله قد اشتركت فيه بكامل طاقتها بل يمكننا الذهاب إلى أن عقول وخبرات أجدادنا على طول تاريخنا كمجتمع منذ آلاف السنوات قد اشتركت في هذا القرار بخبراتهم المشفرة على جيناتنا الوراثية .

المجتمع على حق فيما يخص إيمانهم بخيانة المثقفين وتعاملهم على هذا الأساس حتى مع عدم قدرتهم على التعبير عما أتحدث عنه بالكلمات ( اللعينة ) وأرى أننا بكل الفخر بدأنا الطريق بأن نصبح جزء من المنظومة التي تدعم بكل قوة ترسيخ هذه الحقيقة .

ملحوظة : أحيلكم الى كتاب صدر عن دار الشروق بعنوان ( عبد الناصر والمثقفين ) عبارة عن حوار ل يوسف القعيد مع محمد حسنين هيكل عن المثقفين وعلاقتهم بعبد الناصر ومجلس قيادة الثورة وستجدون ما يسركم لكل رموز الأدب والثقافة في هذا العصر الخصب .

4 comments:

رضوى داود said...

عارف يا وليد
هي فعلا تكرارات لما تم حكيه
بس عاجباني
المقال ده ان جاز الوصف
انا حبيته قوى
و بعيدا عن الاتفاق و الاختلاف في وجهات النظر
احب اقولك
في الجون يا باشا

محمد العدوي said...
This comment has been removed by the author.
محمد العدوي said...

اجمل نطق سمعته لكلمة المثقفون كان بكسر القاف . وسمعته من الشيخ علي جمعة . وهي قناعتي القديمة أن العلامات الظاهرة في الحياة الفكرية هم مثقِّفون سواء كانوا مثقَّفين حقيقة أم أدعياء أم صنيعة إعلام . سواء كان ذلك عن توجيه حقيقي من كيان يعرف ماذا يفعل أم كان عن توهان وقلة فهم ..


صياغة الرأي العام والوعي المجموع اللي قلت عليه ايضا فن يتقنه اي حد عاوز يستغل الجموع في حكمه . ألم تر كيف كانت تحرك أغنية واحدة لأم كلثوم الشارع المصري كله .. ولماذا كان عبد الناصر حريصا أن يصل البث التلفزيوني الى اكثر مناطق مصر حتى قبل وصول الكهرباء .

كانت نظرية اليهود في بريطانيا في فترة قديمة من القرن الماضي هي المراهنة على كلمة الشارع لعلمه اليقيني ان الصحافة التي هي اساس صناعة الرأي العام وقتها في لندن يملكونها .

لذلك كانت الكلمة المبدعة أمانة حقيقية لا يقدرها كثيرون .. بعضنا نشأنا على تعريف مختلفة للابداع الحرفي واصبح عقيدة لنا . لذلك تجد وحتى اكثر الاقلام الشابة اما مبتعدة عن الحياة الحقيقية لمجموع الناس وأقصد بذلك الهم العام لهذا المجموع أو ان مسته مسته من بعيد . ويكون التعليل انه الادب له موازينه الخاصة والعمل الابداعي شيء مستقل

وليد خطاب said...

تحياتي لمداخلتك القيمة يا محمد ..
صياغة الوعي الجمعي وتوجيهه طريقة معروفة ومضمونة لاقناعك بأن تفعل عن رضى تام وساذج ما يضرك أنت ومن يحيط بك حتى تصل الى الاضرار بمجتمعك أو حتى انحلاله وتأخيره .. سواء كان هذا التوجيه يتم عن طريق تلميع شخصيات معينة ونشر أفكارها أو حتى في صورته البسيطة القديمة المتمثلة في التوجيه عن طريق الخطابة التي كان لها أثر كبير قديما في اشعال حروب كبرى بدءا من خطب ديموستين في اليونان حتى خطب البابا أوريان - ان صح ذكري للاسم - في أولى الحروب الصليبية أو حتى في خطب جمال عبد الناصر