Friday, July 27, 2007

بالطو زيتي



حفيف أقدامه على طرقات القرية الترابية كانت هي المؤنس .. يتخذها رفيقا يعينه على وحدته ..يحكم التلفيعه حول وجهه حريصا على تغطية أذنيه .. هواء بارد يتسلل إلى أنفه فيتعالى سعاله يشق صمت القرية النائمة.. خطواته المتسارعة طلبا للدفيء تنهي سريعا طرقات القرية متتابعة وسط الحقول .. يخرج صوته في غلظة رخيمة وسط سكون الليل:

ويوم شنق زهران .. كان صعب وقفاته ..

أمه بتبكي ع السطح هيه واخواته ..

لو كان له أب ما كان فاته ..

لن ينس أن يضع بعض البرتقال في جيوب معطفه من أجل طفله عند عودته إلى الدار صباحا ..

اللي انشنق شنقوه .. واللي انجلد جلدوه ..

واللي نجي في الحبس رموه .. وزهران سبع ما انحنت هاماته ..

طلع ع المشنقة .. وقال لعشماوي شد الحبل أنا رايح ..

صعد زهران للسما وبانت كراماته ..

يقترب من العشة في حنين للدفيء ..يلملم بعض العبل الجاف .. ليرتفع اللهب أمام عشته الصغيرة.. يجلس مستأنسا بالدفيء ..مستندا إلى جدار العشه المتهالك ..

* * * * * * *

وحيدا في سيارتي الوحيدة وسط الطريق .. يراودني النوم كحلم عزيز ..ألتقط لفافة تبغ ..تتقلص ملامح وجهي عندما أفاجأ بصندوق الثقاب

فارغا .. أطلق سبة بذيئة لا أسمح للساني بها إلا عندما أصبح وحيدا .. مدركا أن أمامي ساعة عصيبة في طريق زراعي خالي ..

* * * * * * *

وحيدا .. يستأنس بحمحمات الجواد الواقف على مقربة من جلسته المستكينة .. عزيزا كان .. طريدا أصبح .. يداعبه النوم فيأبى عليه الخوف .. فزعا من حفيف الهواء على أوراق الأشجار .. سيدركه أعوان معاوية .. ولن يضيعوا فرصة قتله .. أمنهم.. فخانوه .. تداعب عقله ذكريات زمن آمن .. وحرمة تصان.. ونسب يغفر .. يتحسس مقبض سيفه ليستمد منه بعض الطمأنينة ..

* * * * * * *

تلتقط عيني المرهقة لهب النار على جانب الطريق.. أبطأ من سرعة السيارة .. أهبط ملقيا السلام .. ناظرا إلى الكوخ الصغير المتهالك .. ومعطفه الصوفي .. والبندقية العتيقة التي يضعها إلى جواره .. أستأذن في إشعال لفافة التبغ بأثناء انحنائي على النار

مشعلا إياها بالفعل ..

- شاي ؟ .. يقولها صاحب المعطف في بساطه ..

أجلس بجواره قابلا دعوته في صمت ..

* * * * * * *

يدركونه .. يرفع سيفه .. تثخنه الجراح .. الإجهاز .. كان هذا ما يتمنى .. دون تمثيل .. يتأمل أرضا جاء إليها عزيزا .. ورحل عنها طريدا .. يتذكر أباه وربيبه ونبيه .. فيبتسم .. أدرك موته .. ولم يدرك التمثيل بجثته ..

* * * * * * *

يرفع البراد ذو اليد الخشبية يدوية الصنع ليصب كوبين من الشاي تتصاعد منهما أبخرة محببة .. يقترب منا كلب هزيل يقبع بجوار النار مستأنسا بنا على وحدة الليل ..

- سفر الليل غربه ..

ينطق بها ذو المعطف.. أرشف بعض الشاي ناظرا إلى الرجل في امتنان ..

- مايسافرش في الليل إلا مضطر ..

أنطقها ردا على تعليقه .. ناظرا الى البيوت الصغيرة التي تلوح عن بعد .. أستفسر قائلا :

- اسمها ايه البلد دى ؟

- ايه اللي يهم في اسمها .. نص ساعة بعد ما تقوم وتنسى .. أهي بلد ..

أنظر إليه متعجبا من عدم ميله إلى الثرثرة ..

- أنا كنت عايز أفتح كلام مش أكتر ..

يبتسم ذو المعطف مادا يده ليحكم التلفيعه حول أذنيه ثم ينطلق في الحديث .. عن أرضه الصغيرة التي يواليها نهارا .. وحدته في الليل منذ أصبح غفيرا .. زوجته الفزعه دائما .. طفله الصغير .. أهل البلدة الذين اختلطت دمائهم بدماء أهل المدن فلم يعودوا

بطيبة الزمن الماضي ثم يصمت قليلا ليعم الصمت وصوت الرشفات ولهيب النار المتراقص .. ينطلق في الحديث مرة أخرى قافزا بالزمن أكثر من ألف عام إلى الخلف .. عن المسجد وقبر الصحابي الذي يحويه بين جنباته .. عن مقتله..

- ومن قتله ؟

أنطقها قاطعا لمعة عينيه المختلطة بحديثه .. يصمت بعض الوقت ثم يهز رأسه في بساطه :

- لا أدري ..

أميل على النار لأشعل سيجارة .. أنهض واقفا شاكرا إياه متجها إلى السيارة ليختلط صوت المحرك مع أفكاري عن قرية كانت آخر أحداثها المهمة منذ أكثر من ألف عام ..


7 comments:

محمد العدوي said...

في نصوص تتمها لتعلم ماذا يريد أن يقول في آخرها . وفي نصوص تتمها لأنك لا تستطيع أن تقطعها .. كل كلمة فيها تسلمك للتي تليها بكل البساطة اللي في الدنيا وبتمام الجمال أيضا .. وهذا ما حدث هنا مع أن الخط عاوز نظارة فوق نظارتي بس للجمال قدسية يستحقها ..



الفترة الزمينة التائهة ( الجواد ومعاوية والسيف ) والتبغ والسيارة ..
الخوف والرهبة . التيه والهروب والغربة . وبطولة خافية ..

أمتعتني والسلام ..

تسلم

انحلت سيور العربه وسقط المهر من الاعياء said...

وليد خطاب

تحيه طيبه لموهبه جميله

بصراحه متفق مع محمد العدوى التسلسل يجبرك على بلوغ النهايه بدون ملل من المتابعه وكلمات المتلفع القاسيه حول
اجابته للسؤال
هى البلد دى اسمها ايه؟
نص ساعة بعد ما تقوم وتنسى .. اهي بلد

حينما تكون كل شىء ياتى يوما ليكون ذكرا بلا معنى فلا داعى فى الاستغر اق فى الحياه فهى مجرد اشياء عابره لن تساوى شىء فى النهايه!
اعجبنى الرد

واعجبنى اكتر ذلك البلد الذى توقفت احداثه من الف عا م
يااااااااااااااااة
كلا مات جميله
احيك ..

رضوى داود said...

الله عليكم انتوا التلاته
ايه الجمال ده
كنت داخله اشكر وليد على النص لقيت اني يجب ان اشكركم على متعه النص و متعه التعليقات

فريدة... said...

معاكى جدا يا اميرة

ربنا يجزيكم عنى كل خير

ووليد يسلم لى قلمك حقيقي بحبه وبحترمه وبحس انه بيحترمنى كمتلقى
انت مبدع واعمالك اصيلة

من الاخر فنان مبدع يا مغمور


المغمورة فريدة

وليد خطاب said...

محمد العدوي .. لك قلبي يسعد .. وبمرورك قلبي يطرب .. ( عين بتغمز ).. متشكر جدا على كلماتك اللطيفة بس حابب أأكد ان فيه متلقي نفسيته جميلة فبتصبغ على العمل الفني جمال فوق جماله لو كان موجود أو ممكن ف بعض الأحيان تشوف فيه جمال مش موجود غير ف نفس المتلقي .. ويا رب ميكونش عملي من النوع التاني.. ظبط الفونت بعد تعليك على طول .. وأعتذر عن الفونت المرهق اللي كانت عليه القصة في اول يوم
.................................
جحيم ..يا رب تقرى ردي على تعليقك .. هاكون شاكر ليك جدا لو ادتني اسم أندهك بيه لني بحترمك ومظنش انك حابب اندهك ب.. احم .. بلاش اكرره تاني بقى كفاية مرة .. شاكر لكلماتك الجميلة .. لحظات قليلة حترم فيها نفسي .. من ضمنها أن يحترم أشخاص أقدرهم عملي
...............................
أميرة .. لا شكر على خنقة يا فندم .. خنقتكوا باعمالي .. ف جلسات سمعتيها .. ف تظبيط المجموعة وعدت عليكي ..ف المدونة تلاقيها .. بصراحة حقك تكرهيني وعذرك معاكي
.................................
فريدة ..( وش محمر خجلا)..حقيقي مش عارف أقولك ايه .. ربنا يكرمك يا ستنا

انحلت سيور العربه وسقط المهر من الاعياء said...

ياعم وليد ميهمكش

ع العموم درءا للحرج و احتراما لذوقك
انا
محمد البرلسى
تخاطبنى بكده
ولك جزيل الشكر لحسك وذوقك
تحيه عميقه

مـ~ـاجدولين said...

كنت أبحث في جوجل عن صمويل بكيت

دلني هنا

كم هنا جميل وجذاب

ولي ادمان على النصوص الورائيه \ القصصيه

لازلت عالقه أقرأ الكثير من ارشيفك

تحيتي لك سيدي