Wednesday, June 13, 2007

مساواة


أول ما يتبادر إلى أذهاننا عند الحديث عن المساواة إذا كنا إسلاميي المرجعية ألا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى ، نستخدمها لتوضيح أن الرب يساوي بين البشر متجاهلين أداة الاستثناء شديدة الوضوح ( إلا ) وندعي أن جميع البشر متساوون أمام الله ، ونتجاهل نص الآية ، أن التقوى تميز بينهم ولا تجعلهم متساوين إلا بتحققها ، ونتجاهل أيضا تعميمها .وسنترك هذه الرؤية قليلا لا لشيء إلا لأن مفهوم المساواة لدينا شئنا أم أبينا أصبح مرتبطا بمرجعيته الغربية .

مقتنع بأنه لا يوجد فاصل محدد لانتقال الأفكار البشرية أو لانتشار مفهوم معين ، ولكن إذا تمسكنا بهذه الطريقة سنتخذ من الثورة الفرنسية فاصلا تقريبيا يختلف مفهوم المساواة فيما بين القبل والبعد .

في وقت ما حين كانت الفردية سائدة كان النموذج المسيطر هو نموذج البطل في شتى المجالات، ليس شرطا أن يكون بطلا بمفهوم الجسد الخارق فقد يكون البطل صاحب فكر أو رسالة أو علم أو صاحب حكم .



فكرة البطل أو الفرد بقدر ما كانت تحتوي على حسنات كانت تحتوي على سيئات أيضا ، كانت المرجعية فردية سواء في الفكر أو العلم وأزعم أنها كانت تحقق من المنافع أكثر مما تحتوي من الأضرار ، أيضا هذه المرجعية امتدت إلى السياسة لتكون نظرية الحكم السائدة هي حكم الفرد .

ولكننا إذا دققنا النظر سنجد أن أسلوب التفكير كان عاما امتد إلى جميع مناحي الحياة فكما تم تطبيقه في الفكر والعلم كان طبيعيا إلى حد ما أن يمتد إلى أسلوب الحكم ليصبح فرديا .

وحين حدث العكس وهو ما سنصطلح عليه في حديثنا بمرجعية الجماعة وأهم مصطلحاتها المساواة خرجت هذه النظرة من حالة خاصة وهي حالة الحكم والسياسة لتمتد إلى شتى المجالات الأخرى وهنا كان الخطأ القاتل في مرجعية تفكيرنا .

حين قامت الثورة الفرنسية ادعت لنفسها أنها تريد تطبيق ما أطلقت عليه مبدأ المساواة بمعنى أنه لا يوجد ما يدفعنا إلى إعطاء أحد الأفراد حقوقا سياسية أو حقوق مواطنة أكثر من فرد آخر فالكل سواسية ، وادعت أن الحكم للشعب ، وأي قارئ سطحي لأحداث الثورة الفرنسية سيجد أنها لم تنفذ مبدئها هذا ليوم واحد بل تركت الرعاع يطيحون بحكم الفرد المتمثل في الأسرة الملكية ثم سيطرت هي على الحكم ، ثم انقلبت كالنار تأكل في نفسها فقتلوا بعضهم البعض حتى لم يبق من قادتها أحد يذكر في آخر الأمر .

ربما ساعد على انتشار الفكرة أن قادة هذه الثورة كانوا بالذكاء الكافي لكي يتخذوا من نظريات بعض مفكري فرنسا أساسا لمناداتهم بمبادئ ( الحرية والإخاء والمساواة ) ، وربما كان أبرز هؤلاء المفكرين بالنسبة لنا ( جان جاك روسو ) صاحب ( العقد الاجتماعي ) .

تنتشر فكرة المساواة كالنار في هشيم أوروبا كنقيض لمفهوم الفرد أو البطل لتصبح هي الأعلى صوتا ويتم بعد ذلك نقلها إلينا عن طريق سادة النقل عن الحضارة الأوروبية .


دائما كان من قبيل البديهيات بالنسبة للحضارات السابقة أن التحضر أو التقدم أو الرقي يمثل بمنحنى متذبذب بين الهبوط والصعود ، ولكن الحضارة الأوروبية هي الوحيدة على ما أعلم التي زعمت لنفسها أن منحنى تحضرها يمثل بخط مستقيم في اتجاه الزيادة دائما ولا تتراجع خطوة إلى الخلف أبدا ، بمعنى أن المفهوم الذي تنقضه أو تتركه لن ترجع إليه البشرية أبدا ، كمثال الأسلوب الديمقراطي في الحكم سيظل هو النموذج الأفضل في الحكم ولن يتم التوصل إلى نموذج أفضل منه ولن نعود إلى أي أسلوب حكم آخر مر على تاريخ الحضارة وهي أساليب غير قابلة للحصر وليست قليلة كما يتخيل البعض.

نعود إلى أن دحض فكرة الفردية والاستعاضة عنها بالمساواة انتشرت من أسلوب الحكم إلى كافة مناحي الحياة حتى امتدت الى مجالات لا يصح أن يتم تعميمها فيها كالفكر والعلم .

وربما يستنكر البعض حديثي عندما أتساءل عندما نجري انتخابات ، ما هو الأساس الذي اعتمدنا عليه عندما نساوي بين صوت مفكر أو مشرع وصوت انسان بسيط لا تشغله هذه القضايا تماما في الانتخابات ...إنها المساواة !!! .

حتى في العلم بعد أن كانت إجازات العلم مقصورة على مجتمع مغلق مكون من أفراد بعضهم على درجة كافية من التمكن تتيح له ( تنصيب ) طالب علم والشهادة له بالتمكن وأن يؤخذ عنه أيا كان مجال تخصصه ، نظرية المساواة حقرت هذا الوضع واستعاضت عنه بأسلوب تحصيل العلم الذي وضعت له معايير ثابتة من يحصلها يشهد له المجتمع وسلطة الحكم بأنه مرجعيه في مجال التفكير الذي يمارسه .

وبرغم هذا تدرك السلطة أن نموذج البطل ضرورة لابد منها حتى على المستوى النفسي ، فتلجأ إلى اختيار أفراد معينين تلمعهم إعلاميا وتقدمهم للعامة بصورة البطل وأشهر هذه النماذج أينشتين الذي لا أنكر عبقريته ولكن هناك الكثيرين غيره الذين يستحقون اعتراف الأفراد بتفردهم في نفس مجال تخصصه ولا يقلون عنه بأي حال من الأحوال عنه عبقرية ، وآخر الأمثلة أيضا على أسلوب التلميع يتمثل في ستيفن هوكنج الذي سمع به الجميع حتى وان لم يعلموا سبب شهرته .

في الأدب أيضا أصبح الأديب المتفرد الذي يعبر حاجز قوميته هو فقط الأديب المعترف به عن طريق مرجعية المساواة التي تنزع عنه وصمة عدم التميز عن الآخرين بمنحه جائزة نوبل .

يمكننا أن نقيس على هذا كافة المجالات حتى نصل الى المرجعية الدينية التي نزع عن رجالها أي حق في الفصل فيما يتصدون له من قضايا حتى وصل الحال إلى أن أصبح شيخ الأزهر والبابا مجرد مرجعيات معزولة لها الحق في عرض رأيها دون إلزام بالأخذ عنهم فيما يخص لب ما هم الأجدر في الفصل فيه وأن يتخذوا كمرجعيات غير قابلة للنقاش إلا ممن يماثلهم علما .

أحيانا عندما يحتد النقاش بيني وبين أمي تلجأ الى جملتها الأثيرة ( انت مالكش كبير أصلا ) فيتصاعد إلى رأسي كثير من الأفكار هذه جزء منها ، أحار كيف أبرر لها مالا أنكره ، ولكني أفضل الصمت في النهاية .

………………………………………………………………..

وليد خطاب




5 comments:

Anonymous said...

اولا، مبروك علي المدونة يا باشا..بجد وجودك اضافة
بالنسبة للبوست ليا تعليق صغنن
كذلك انت اغفلت ان " التقوي هاهنا"، هاهنا اللي هو مربوط باشارة شريفة من النبي الي قلبه، بمعني ان أحدا لن يستطيع قط تحديد"التقي" وال"أكثر تقي" و"عديم التقوي" لأن مكانها الحقيقي، لا يطلع عليه بشري..لذلك، ملزمون بتطبيق المساواة الأرضية مادمنا نجهل كيفية استبيان الاستثناء..يعني من الاخر الاستثناء مش شغلنا، فحين نضع قوانيننا ودساتيرنا حسب مرجعية دينية، ليس امامنا الا ان نضعها وفق قاعدة اسنان المشط الشهيرة
والا انا غلط!!
تحياتي

وليد خطاب said...

مظبوط
معاكي على طول الخط ف النقطة
أكتر حاجة مركز عليها ف البوست
أنه لا يجوز تعميم مبدأ المساواة بطريقة عمياء
فلا يمكننا بدعوى المساواة أن ننادي بحق جميع البشر في ممارسة الطب أو الافتاء ...
ولا ايه؟
وليد..اللي فرحان بمرورك

إبـراهيم ... said...

أهلاً بالمغامير :)


حلووو قووي يا وليـــد ، موضوع عبارة عن ( دماااغ متكلفة) مكثفة متمددة ، سعدت باستعادة نشاطك >>>>>>>> انتشـر أكثر ، ومبروك
النيو لوك الأليق ، خالص تحياتي

أحمد ع. الحضري said...

تحياتي لك يا وليد على المدونة... أعجبتني بشكل عام كما أعجبني هذا الموضوع
تحياتي

nael eltoukhy said...

وهل الثورة الفرنسية نادت بحق البشر جميعا في ممارسة الطب؟ أم حقهم في اختيار من يحكمهم؟ ألا ترى أن للبشر جميعا نفس الحق في اختيار من يحكمهم؟